Monday, August 20, 2012

رؤية شخصية: ماهية الدين؟ والصوفية والإسلام السياسي..


قرأت أو مازلت اقرأ كتاب "قبسات من الرسول" -صلى الله عليه وسلم- لمحمد قطب، وقرأت له العديد من الكتب حاول فيها شرح في سياق موضوعه فكرة الصوفية وحقيقتها وشأنها السياسي والإجتماعي في الحياة.

لم تكن الفكرة راسخة في ذهني إلا بعد ملاحظة أن كثير من الشباب الرافض لفكرة الإسلام السياسي أو- سمه بما شئت - يميل إلى الصوفية وكأنها هي الأصل في الإسلام.

يجب عليّ أن أوضح ما هو الإسلام السياسي الذي أقصده؛ هو أن تكون السياسة لها مرجعية وحيدة وهي الكتاب والسنة أو مرجعيات منبثقه منهما ولا تخالفهما.

في مرة من المرات قال صديق لي سوف أتبع الصوفية فقد وجدت فيها نفسي، وقد كان كارهاً للمنهج السلفي شديد المعارضة لدخول الدين في السياسة.
أدركت أن المشكلة تكمن في فهم طبيعة هذا الدين، هل الإسلام السياسي فكرة دخيلة على الإسلام أو المجتمعات الموجودة أو السابقة؟ كلا.

إن الإسلام قول وتربية ودعوة وعمل ومَن يدرس السيرة النبوية وفعل الصحابة والسلف يجد أنهم لم يكونوا في منعزل عن مجتمعهم بل أثروا فيه، فلم يكن إسلامهم وعبادتهم في أكواخ وكهوف وصوامع. بل حياتهم ومعاملاتهم شهدها الناس وأصبحت قصصهم تتواتر من جيل لآخر. إذن فدمج وخلط الدين في الحياة ليس بشأن جديد بل هذا ما كان عليه الرسول والصحابة والتابعين،  وهذا الذي أمرنا الله به.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ | الحج 77
أما ما أصبحنا عليه من تهميش للدين وعزله بحجة المجتمع الدولي تارة وبحجة صعوبة تحقيقه وأن العاملين عليه بشر وقد تُشوِّه أخطاؤهم الدينَ تارة أخرى، فهذا هو المستحدث من الدين ومردود عليه.


إن حقيقة الصوفية منعزلة في الوجدان، واصلة إلى آخر أعماقه، ولكنه ليس صورة حية متحركة في واقع الحياة، شاخصة بلحمها ودمها، وأفكارها ومشاعرها، وتنظيمتها وتوجيهاتها، وهدمها وبنائها، وماديتها وروحانياتها سواء.إن الأشياء لا تُقاس بوجودها أو عدم وجودها في عالم الحس. وإنما تُقاس بمقدار ما توجد في عالم النفس وبالمساحة التي تشغلها من المشاعر والأفكار والسلوك. | محمد قطب، قبسات من الرسول.


إن أبرز سمة في هذا الدين أنه دين الظاهر والباطن على حدٍ سواء. لا يرضى أن يكون الظاهر نظيفاً والباطن غير نظيف، فيصبح رئاء الناس. ولا يرضى أن يكون الباطن نظيفاً ولا صدى له في الظاهر فيفقد مهمته ومعناه. إنه الدين الذي يجعل العمل عبادة... ورسوله -صلى الله عليه وسلم- هو الرسول الذي ظل حياته كلها يتعبد بالعمل.. العمل المثمر النافع الظاهر للعيان | محمد قطب، قبسات من الرسول.


إذا أريد للإسلام أن يعمل، فلابد للإسلام أن يحكم، فما جاء هذا الدين لينزوي في الصوامع والمعابد أو يستكن في القلوب والضمائر. | سيد قطب، معركة الإسلام والرأسمالية.

إذن فالجهل بطبيعة الدين مع وجود تيار "اجتماعي" يحث الناس على أن الدين مكانه القلب فقط ولا شأن له بضروب الحياة، التي ظن الناس أنها غير مقيدة بشرع ولا منهج، خلق جيلاً ينظر للدين على أنه غير موصول بالعمل في الأرض. علينا أن نرجع لآيات الله ونرجع للدين من مصدره الأصلي والوحيد والذي لا يُرد وهو الكتاب والسنة ونعرف ماهية الدين الإسلامي.
قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ | الأنعام 162،163
هذه آية تبيّن تدخل الدين في كل أحوال الإنسان في الحياة وعلينا بإسلامنا لله رب العالمين أن ننقاد بها ولها.

الهامش:
- الصوفية هنا هو مذهب أقصده بالتحديد في الزهد عن مجالات الحياة وحصر دور الإنسان في عبادة الله من خلال العبادات وليس العمل.
- راجع تأثير الصوفية في توطيد أركان الحكم الفاسد في مصر من أيام جمال عبد الناصر وكيف استغلها لضرب كل الحركات الإسلامية التي تدعو لعودة تحكيم الشريعة، كتاب "دليل الحركات الإسلامية المصرية" للصحفي عبد المنعم منيب.
- السلفية هنا هي الالتزام بكتاب الله وسنة الرسول وليس الالتزام بطائفة بعينها من المعاصرين.