Saturday, September 18, 2010

وفاة نور الدين زنكي

يقول الدكتور طارق السويدان في كتابه "فلسطين... التاريخ المصور"

في عام 569 هجري 15/5/1174 ميلادي
في هذا التاريخ توفي نور الدين زنكي رحمه الله تعالى، لقد كان هذا القائد بحق من أعظم من مرّ على هذه الأمه، نور الدين أعظم وأهم في التاريخ من صلاح الدين، ولكن التاريخ لم يعطه حقه، لقد عرف هذا القائد الشجاع طبيعه المعركة، وأدرك أنها ليست معركة على السلطة والسلطان والحكم، وإنما هي معركة عقائدية ، وأدرك أنها بفهمه الثاقب أن المعركة ليست بين أهل الشام وأهل مصر والنصارى المحتلين وإنما هي معركة للمسلمين، إن نور الدين وعماد الدين وصلاح الدين كانوا كلهم أكراداً وتركماناً، ولم يكونوا عرباً، لكنهم تربًوا ورضعوا عقيدة الإسلام الأصيله، فألغوا العصبيات، وجعلوا تحرير فلسطين همهم وشاغلهم الأعظم، ومن استراتيجات نور الدين التي كان يقولها دائما أن المعركة ليست لأجل جزء من فلسطين وإنما لتحرير كامل التراب، كلشبر من فلسطين، وكان من مبادئه الرئيسية أن الأمه حتى تستطيع أن تواجه لابد أن تعدّ، ولايمكن لأمه ضعيفة ومفككه أن تنتصر، فلابد من إعدادها إيمانيا وفكرياً واجتماعياً وجهادياً وافتصادياً، وكان حتى أثناء حروبه مع النصارى ينشر العدل ويبني الدولة، وكان من أساسياته أن الأمه لابد أن تتوحد حتى تستطيع مواجهة الحملات الخارجية عليها، وحتى أنه عرض على حاكم دمشق أن يبقى حاكماَ فيها مقابل أن يسانده في حربه ضد الصليبيين، فهو يطمح لتشكيل أمه إسلامية موحدة، لا مملكه خاصة، وكان صادقاً وواعياً لما يفعل أو يخطط.

شهادة المؤرخين
يقول عنه ابن الأثير في كتابه "التاريخ الكامل": طالعت تاريح أكثر الملوك الذين حكموا قبل الأسلام والذين حكموا في الأسلام إلى يومنا هذا فلم أر بعد الخلفاء الراشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن سيرة من الملك العادل نور الدين. وابن الأثير خير من يصف ذلك، لأنه عاصر هذه الأحداث وكتبها بنفسه، وكان شاهد عيان في المعارك التي خاضها نور الدين والفتوحات.



العابد المجاهد
ويصف المؤرخون نور الدين رحمه الله تعالى بأنه كان ذكياَ ألمعياً فطناَ، لا تشتبه عليه الأحوال، ولا يتبهرج عليه الرجال، لايستطيع أحد أن يخدعه، بالإضافة إلى أنه عرف بالتقو والورع وأداء السنن، كان مداوماَ على قيام الليل، ودائم الصيام والدعاء، فإذا أضفت إلى هذا تربية الحركة الإصلاحية، وحركة إحياء الدين للإمام الطرطوشي والإمام الغزالي وغيرهما، فستجد أن نور الدين قد تغذى من خلاصة هذه التربيات والمناهج.

الفقيه الزاهد
وكان رحمه الله تعالى فقيهاَ عالماَ راوياَ للحديث، ألف كتاباً في الجهاد في سبيل الله، لم تسمع منه قط كلمة فحش لا في غضب ولا في رضى، وكان صموتاَ وقوراَ حسن الخلق، زاهداً في الأموال والدنيا، حتى أن زوجته اشتكت الفقر ذات مرة، وكان ذا التزام كامل بأحكام الإسلام، ويحب العلماء ويقدم لهم التشجيع والدعم الكبير، فوسًع على الدعاة وقدم لهم الصلاحيات في الأرض، من نهي عن منكر وأمر للمعروف، وقام بإعمار وبناء الأوقاف العظيمة، وقام بإصلاح اجتماعي شامل، ونهض بالاقتصاد ففاضت أموال الزكاة وتحسنت التجارة، ورفع كل الضرائب التي كانت على الناس غلا ما كان في الشرع من الزكاة وغيرها، قضى حياته كلها في جهاد في سبيل الله، وفي سبيل توحيد الأمه ولمّ شملها.
توفي هذا القائد العظيم بعد حكم استمر 28 سنه حرر فيها 50 مدينة وقلعة كانت في يد النصارى.